دربيمكن للمعارضة السياسية المتواجدة في بلاد الشتات السوري لعب دور أخير يمكن أن يصب في مصلحة الثورة. وإذا فشلت في ذلك فستضيع الفرصة الأخيرة التي تملكها لخدمة ثورة الشعب السوري على نظام الطغيان الأسدي، والمساهمة في إضعاف نظام بشار الأسد. الدور يتحدد في توحيد أصوات المعارضة المتضاربة في إطار وطني واحد يهدف إلى تحقيق مهمة وحيدة هي اتخاذ موقف موحد تجاه المستجدات السياسية من الطروحات والادعاءات والمبادرات السياسية التي تصدر عن الدول والمؤسسات الدولية والقوى السياسية، بحيث يمثل هذا الإطار الصوت السوري الوطني.
يقتصر عمل المنضوين في هذا الإطار على توحيد الصوت الوطني السوري، بعيدا عن الاصطفاف السياسية الحزبية والعقدية والدينية والطائفية والقومية، وبعيدا عن جهود الإغاثة والخدمات والتمثيل السياسي. ويلتزم من ينضم إلى الإطار الوطني بإنهاء التزاحم والتنافس والاصطفاف بغية تحصيل وضع سياسي أفضل بعد سقوط النظام. فالصراع على المواقع والسعي لتطوير علاقات دولية خاصة كان خلال السنوات الخمسة الماضية الحلقة الضعيفة والمقتل الذي تسلل من خلاله كل من حاول التلاعب القضية السورية.
هل هذا الكلام عملي؟ وهل يمكن للسياسيين للسوريين أن يضعوا المصلحة الوطنية فوق الأنا الشخصية والمصالح الذاتية؟ هل يمكن بعد أربع سنوات ونيف من التنازع على أوهام الزعامة والهيمنة أن تعمل أطراف المعارضة لتحقيق هدف وطني مشترك؟ ليس لدي جواب لهذا، ولدي شكوك في قدرة بعض المعارضين على القيام بهذه الخطة الضرورية، ولكني أرى مع ذلك أن طرحها اليوم ضرورة أخلاقية وواجب وطني وإنساني.
يجب أن يتألف الإطار الوطني المذكور من شخصيات سورية ذات صدقية وطنية عالية، والتزام بالتفاهمات الأساسية لبناء سورية حرة تحترم الشراكة السياسية بين أبنائها وتحفظ حقوقهم السياسية والمدنية. أنا أدرك طبعا أن الناشطين في وسائل التواصل السوري لم يتركوا في صفوف المعارضة السورية من بقي فوق الشيطنة والاتهام والتشكيك بمواقفه الوطنية. ولكني أعتقد أنه من المهم أن يضم هذا الإطار الشخصيات التي وقفت في العقد الأخير ضد تجاوزات النظام، وأقول لمن يريد المحاسبة وإثارة الشكوك وتداول القيل والقال قبل انهيار النظام، هذا ليس وقت المحاسبة. سيأتي يوم من تاجر بالثورة واستغل موقعه لاستغلال المال العام عقب سقوط النظام. سورية اليوم تحتاج إلى موقف موحد ضد الاستبداد والطغيان والعدوان من أبنائها.
لا يهم موقع الشخصيات الوطنية داخل هذا الإطار الجامع. لا يهم من هو الرئيس ومن هو الأمين العام ومن هو صاحب الصولة والجولة داخل هذا الإطار. فهذه التقسيمات والأدوار ثانوية جدا ولا تستحق كل العناء المبذول في دوائر المعارضة السياسية على حساب القضية السورية الكبيرة. المهم إسقاط النظام وإنهاء معاناة الشعب. إذا لم تفعل المعارضة السياسية هذا فإن الخيبة والفشل لن يفرق بين محافظ وليبرالي واشتراكي أو غيرها من التنوعات العقدية داخل صفوف المعارضة.
نعم التقسيمات داخل صفوف المعارضة ليست مهمة اليوم ولن تكون مؤثرة، لأن القول الفصل الأخير سيكون من نصيب قيادات شابة عايشت الصراع بكل تفاصيله على الأرض السورية، وعملت بكل ما تملك على تطوير البنى والمؤسسات والأدوات السياسية والعسكري لاستعادة حريتها وكرامتها ودورها المهمش والمفقود. ولأن الشعب، الذي هشم نظاما لم يفعل للسوريين شيئا خلال خمسين سنة إلا العمل لجعل زواله مستحيلا، سيهشم أي محاولة لتكرار تجربة حزب البعث والطغمة الطائفية التي ركبت على ظهره.
نعم، الشعب الذي هشم نظاما أقيم للبقاء إلى الأبد لن يعجزه الخلاص ممن يريد إعادة توليد هذه التجربة الفاشلة من جديد!

ظهرت هذه المقالة في المنشورات التالية:

السوري الجديد

Leave a Reply

Recommended Posts

المجتمع المدني

الإنسان وجدلية الوجود والوجدان

النسخة الرقمية هل يستطيع الفرد أو الحركة الاجتماعية-السياسية أن يتعاملان مع التحديات التي تواجههما ضمن ظرف تاريخي محدد دون فهم البنية النفسية والاجتماعية للإنسان، وأثر الزمن والتاريخ في تحديد المسارات المتاحة للمشروع التغييري، وشروط القيام بنهضة ثقافية واجتماعية تقود إلى تغيير سياسي واجتماعي يحقق مجتمع الحرية والكرامة ودولة العدالة والقانون؟ للإجابة عن هذا السؤال كتبت كتابي الإنسان وجدلية والوجود والوجدان عام 2016 للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بتراجع دور الإنسان العربي والمشرقي من مستوى الفاعلية الوطنية والعالمية التي ميزته عبر التاريخ […]

لؤي صافي
الصمود الفلسطيني

المشهد الفلسطيني بعيداً عن النبوءات الدينية والتنبؤات والسياسية

تتركّز الأنظار اليوم على الصراع العسكري بين الكتائب الفلسطينية المقاتلة، التي نفّذت عملية طوفان الأقصى لكسر الحصار الإسرائيلي على غزّة، والجيش الإسرائيلي الذي وظف تلك العملية لتحقيق رغبة اليمين الإسرائيلي في إعادة احتلال غزّة وطرد الفلسطينيين منها إلى صحراء سيناء. المشهد مؤلم وحزين، ولكن الأكثر إيلاماً العجز العربي في مواجهته، وتفرّق الإرادة العربية في التعاطي معه رغم المشاورات والمؤتمرات والقمم. وهو مشهدٌ لا أريد هنا الحديث عن تفاصيله ومآلاته السياسية، فقد كفاني أصحاب الرأي من الزملاء في الصحف العربية هذا […]

لؤي صافي
التنمية والإصلاح الصمود الفلسطيني

ردّ عربي واهن على عدوان إسرائيلي سافر

يقف العالم مذهولا أمام حجم الموت والدمار الذي تخلّفه آلة القتل الإسرائيلية المدعومة ماليا ودبلوماسيا وسياسيا من دول التحالف الغربي. بعد مرور قرابة شهر على مشاهد العدوان الوحشي الذي يقتل يوميا مئات المدنيين ويهدم آلاف المنازل، لم يتحرّك العالم لوقف المجازر، ولم تتحرّك الدول العربية للجم الجنون الإسرائيلي، ولم نسمع سوى دعوات خجولة لم تصل إلى صانع القرار الإسرائيلي ولم تلق آذانا صاغية. تجلّت الاحتجاجات الغاضبة الوحيدة في تظاهرات شعبية انطلقت من بعض العواصم العربية، وتردّدت أصداؤها في مسيراتٍ عمّت […]

لؤي صافي
الصمود الفلسطيني

جوهر الصراع بين مطالب الحقّ وعجرفة القوّة في فلسطين

ثمّة مقاربتان أساسيتان في التعاطي مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تميّزهما رؤية المتأمل في التحدّي الذي يواجه الشعب الفلسطيني. الأولى، والتي تحكم اليوم تفكير النخب السياسية الحاكمة، تنطلق من رؤية واقعية إلى الأشياء، رؤية تقوم على حسابات موازين القوة، وتعطي أولوية للقدرات الإنتاجية والعسكرية للأطراف المتصارعة، وهي لذلك ترى أن من العبث أن يتصدّى المستضعف للقوي عندما ترجّح موازين القوة قدرة من يملك السلطة والقرار على إلحاق أضرار كبيرة وخسائر فادحة في الجماعات السكانية المهمّشة. تنتشر هذه المقاربة اليوم بين النخب […]

لؤي صافي
الهيمنة الغربية

جزيرة لامبيدوزا وأزمات المنظومة العالمية المتصاعدة

تمثل الأزمة المستمرّة في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية نموذجا عمليا للتحدّي الذي يواجه المنظومة العالمية اليوم، فالجزيرة التي هي أقرب جغرافيا إلى أفريقيا منها إلى أوروبا تشهد، منذ عقد مضى، سلسلة من الهجرات من القارّة الأفريقية باتجاه أوروبا نتيجة الاضطرابات السياسية والمالية المستمرّة في دول الجنوب الممتد من جنوب آسيا إلى أفريقيا إلى أميركا الجنوبية؛ فالجزيرة الإيطالية تشهد أزمة جديدة منذ أيام، بسبب وصول أعداد من المهاجرين من أفريقيا يبلغ ضعف عدد سكانها البالغ أربعة آلاف نسمة. رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا […]

لؤي صافي
الهيمنة الغربية

تناقضات الدولة العبرية وأوهام الديمقراطية

إسرائيل دولة ولدت من رحم التناقضات العربية والدولية، لكن وجودها اليوم رهن لتناقضات من نوع آخر، تناقضات داخلية ذات طبيعة اجتماعية وثقافية ودينية تنبع من أوهام قومية وتاريخية. فالأوهام التي تدور في المخيال القومي العبري كثيرة لا يمكن حصرها، تنبع بدءا من استعلاء قومي حصري واصطفاء ديني منبتٌّ عن أصوله الأخلاقية وقوالبه الإنسانية، مرورا بفكرة الوعد الإلهي الأبدي المتفلت من حدود الزمان، وفكرة التطابق بين قيام الدولة الصهيونية والعودة إلى أرضٍ وعدها الله لأمةٍ قد خلت بشرط التزامها بقيم الحق، […]

لؤي صافي

Discover more from

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading